لوا لي أنّكَ قد أتيت .. فرسمتُ في داخلي مساحة أملٍ وإشراق ..
وأخبرتُ الزّمانَ بأنكَ ستأتي .. وتكفكفُ دمع الحرمانِ عن وجهه الحزين ..
استبشرَ الزمانُ خيراً ، وأَخطَرَ الفقراءُ بأنَّه ثمّة بلسم شافٍ سيخفّفُ آلامهم ..
وكفُّ دافئة ستصافحُ أوجاعهم ، وأنَّ القادمَ سيحمِلُ معهُ أذناً تصغي باهتمامٍ ، وعيناً ترى وجه الحقيقة دون زيف ، وأنّ الحواس كلها ستجتمع ، وتتفق على إعانتهم ..
وأنَّ جدارَ الفقرِ سوف يتحطّمُ بسلاحِ التكافل الاجتماعيّ ..
لمَّا هلّ هلالُكَ العاجيّ ، استبشرت عجائزُ الأحياء المنسيّة خيراً ، وتلمّست القدور الباردة ، وكأنَّها تهمسُ لها بفرحٍ آملٍ بأن حرارة سوف تدفئها ، وأنّها لن تعاني قحطاً ولا جوعاً ، وأنَّ البسمةَ ستبلّل شفاههم المتشققة فترويها بعدَ أن أضنتها الحاجة فساكنها الحزنُ طويلاً !
وتراقصت الفرحةُ في عيونِ الأطفال ، وأنشدت قلوبهم الشفّافةُ أهازيجَ الفرح ، وأغمضوا عيونهم على مرأى الهلال ، يحلمون بيومِ السّعدِ حين يأتي ، يطرُقُ بابهم قلبٌ حنون ، ويتركُ لهم تذكاراً من هذه الحياة ، يخبرهم أنّ السعادة قد تتشكّل ، في حقيبة حوت تمراً وقمحاً ..
أتيتَنا تحمِلُ معانٍ عظيمةٍ من حبِّ وخيرٍ ومساواة ..
تنقرُ بضميرٍ حيٍّ على نوافذِ الأغنياء ، تذكّرهم حين يتلوون جوعاً وألماً بمعانٍ شاردة زماناً بعيداً عن ذاكرتهم ..
أتيتَ تبحثُ في جيوبهم الممتلئة خيراً عن حفنةِ نقودٍ تائهةٍ في مغاورها ، تنتقيها ، تطهّرها ، تعطّرها ، ثمَّ تخفيها بصمتٍ في جيوبِ الفقرِ المثقوبة أسى ..
كانَ صوتُكَ واضحاً جليّاً ، ينطِقُ بأهدافكِ ، وأسبابِ قدومك ..
وكنتَ رائع الإطلالة كعادتك !
لكنّني أتيتُ اليومَ في موعدكَ فما وجدتُّ معانيك ..
رحتُ أجولُ في الشوارعِ حيرى ، يسوقني الألمُ على غيرِ هدى ..
ويذرفُ القلبُ دموعاً من دمٍ كلّما صادفَ وجوهاً سكنها الحرمانُ فأسدلَ عليها ستائر البؤسِ فما عادت تنطقُ لوعةً ولا تبوحُ بشكوى ..
أنينُ المعذّبينَ يغتالُ قلبي في كلّ لحظة ..
وتذكرني خفقاتِهِ بنعمةِ الحياةِ ..
ويرهقهُ وجومُ الملامحِ فيجوبُ أرصفةَ الحياة ، يتسوّلُ عطفاً بائداً ، أو حبّاً غائباً ..
ويصرخُ بألمٍ عميقٍ ، بصوتٍ يتردّدُ في الآفاقِ ليبلغ حدودَ الزمان ..
ليوقظَ ضميراً نامَ متدثّراً بلحافِ الأنانيّة ..
لنا إخوة في الدينِ في الوطنِ في الإنسانيّة قد أنهكهم فرطُ أنانيتنا ، فمتى نستيقظُ والضّمير في يومٍ واحدٍ ، ونثبتُ للعالمِ كلّه بأننا مازلنا مسلمين .